المادة    
المذيع: أيضاً بعض المحبين للمشايخ والعلماء قد يفهمون كلام المشايخ والعلماء بطريقة خاطئة ويبنون عليه أحكاماً؟
الشيخ: بالضبط، وهذا ما قاله علي رضي الله تعالى عنه: [[يهلك فيَّ اثنان: غالٍ فيَّ وجاهل عني]] الخوارج كفروه والشيعة عبدوه، وهذه مشكلتنا، وكذلك أنا وأنت وكل إنسان يستمع إلي وإليك كل من يغلو في قيمتي يقول كلاماً -والله- لا أستحقه، وتجد من يجعلني لا أساوي شيئاً، وأنا أرجو أن أبلغ قليلاً مما قال، والحياة هكذا.
ولذلك نحن نوصي الأمة بالأصول والضوابط في حق المسلم ومراعاته، بل أنا دائماً أقول: الله سبحانه وتعالى علق دخول الجنة بالإيمان في القرآن وفي السنة، لكن التعامل بين المسلمين علّق بأدنى درجة وهو الإسلام، حتى لا نفرط في حق الله عز وجل، فحق العبد في الإسلام يقدم أو يراعى أو يدقق فيه لمجرد الإسلام، لم يقل الله تبارك وتعالى: إن كان مؤمناً وإلا تغتابه، لا، وإنما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {حق المسلم على المسلم ... } وفي حديث آخر: { كل المسلم على المسلم حرام } فلو قال: كل المؤمن، لقلنا يا أخي هذا مسلم اغتابه، أو اقتله، لا، بل قال: {كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه} وقال: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} فحق المسلم حق عظيم.
لكن هناك شيء عظيم جداً يجب أن يتنبه إليه، وهو أنه لا يعني ذلك ألا يوضح الكفر، وألا تذكر حقيقة الكفر، وخطر الشرك والبدع، وألا يتكلم على أهل البدع في الجملة، بل أتكلم على الخوارج في الجملة وضلالهم وانحرافهم والوعيد الشديد فيهم، وأتكلم عن الرافضة والشيعة والمرجئة والقدرية في الجملة، وأبين ما جاء فيهم من وعيد ومخالفتهم للكتاب والسنة، وأتكلم عن الحاكمين بغير ما أنزل الله بكل وضوح، وكيف أنهم بدّلوا دين الله، وغيروا أحكام الله، وما يستحقون من الوعيد، وخطر ذلك على الأمة .. هذه يجب أن توضح.
وذلك أن هذا الكلام إذا قيل قد يفهم أنه يناصر الطرف الآخر، بل بالعكس هذا الذي يردعه، وهو الذي يمنعه ويزجره؛ لأنك عندما تنزل أحكاماً على الواقع لا تنزلها إلا بضوابط، فمن يستحق أي وصف من هذه الأوصاف فلا مجاملة فيه، ومن لا يستحق فلا يجب، مع تقديم حسن الظن، والتأويل إذا أمكن، أو التسويغ، أو العذر إذا أمكن الاعتذار لأي مسلم، والشريعة في جملتها ليست متشوفة إلى إقامة الأحكام، الأحكام العملية الظاهرة جداً لم يتشوف الشرع إلى إقامتها؛ فما بالك بهذه الأمور؟!
يأتي رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: قد زنيت، وهو يعرض عنه، والمرأة تأتي وتقول: زنيت، فيعرض عنها، قصص ماعز والغامدية معروفة .. فليست الشريعة متشوفة ومتشوقة إلى أن تقيم الحدود والأحكام وتقول: هذا زانٍ، أو هذا ضال، أو هذا شارد، لكن إذا ثبت الحكم وتقرر فنعم.
والذي يجب أن يكون في الشريعة هو التحذير من الزنا، والتحذير من الخمر، وبيان مخاطرها، ومنع ضررها، أما أن يقال: إن هذا زانٍ، فإن لم يأت بأربعة شهداء فله ثمانين جلدة في الظهر، فلاحظ هناك إيضاح كامل للعقيدة، سواء كان الحكم بغير ما أنزل الله، أو موالاة الكافرين، وكل هذه الأمور، وفي المقابل هناك زجر ووعيد شديد من إطلاق الكفر على المعين.
فيجب أن نجمع بين هاتين، ولا إشكال في ذلك إن شاء الله تبارك وتعالى.